فصل: موجب فساد الصوم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.موجب فساد الصوم:

بِفَتْحِ الْجِيمِ مَا يُوجِبُهُ الْإِفْسَادُ لِلصَّوْمِ يَعْنِي الْحُكْمَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى الْإِفْسَادِ بِالْكَسْرِ مَا بِهِ الْفَسَادُ يَعْنِي الْأَسْبَابَ لِلْفِطْرِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ عِنْدَ إبْطَالِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ عَارِضٌ عَلَى الصَّوْمِ فَلِهَذَا يُذْكَرُ مُؤَخَّرًا ثُمَّ الْعَوَارِضُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ مَا يُفْسِدُهُ مَعَ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، وَالثَّانِي مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَالثَّالِثُ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ وَلَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَقَدْ بَيَّنَ الْأَقْسَامَ بِالتَّرْتِيبِ فَقَالَ (يَجِبُ الْقَضَاءُ) وَهُوَ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ اسْتِدْرَاكًا لِلْمَصْلَحَةِ الْفَائِتَةِ (وَالْكَفَّارَةُ) لِكَمَالِ الْجِنَايَةِ (كَكَفَّارَةِ الْمُظَاهِرِ) بِأَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَيَصُومَ شَهْرَيْنِ وَلَاءً إذْ بِإِفْطَارِ يَوْمٍ اسْتَقْبَلَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَإِنَّمَا تَرَكَ بَيَانَ وَقْتِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ إشْعَارًا بِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَعَنْ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ بَيْنَ رَمَضَانَيْنِ وَبِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (عَلَى مَنْ جَامَعَ) مِنْ الْجِمَاعِ وَهُوَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ.
وَفِي الْخِزَانَةِ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ (أَوْ جُومِعَ) فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ إذْ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ (عَمْدًا) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ عَامِدًا احْتِرَازٌ عَنْ الْإِكْرَاهِ وَالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ.
وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ وَإِنْ أَكْرَهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فَجَامَعَهَا مُكْرَهًا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِاللَّذَّةِ وَالِانْتِشَارِ وَذَلِكَ دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ أَكْرَهَهَا هُوَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا إجْمَاعًا (فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) أَيْ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ مِنْ إنْسَانٍ حَيٍّ فَالْجِمَاعُ فِي الدُّبُرِ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ كَمَا قَالَا وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَامِلَةٌ.
وَلَوْ جَامَعَهَا ثُمَّ مَرِضَ فِي يَوْمِهِ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ لَفَّ ذَكَرَهُ بِخِرْقَةٍ مَانِعَةٍ لِلْحَرَارَةِ لَمْ يُكَفِّرْ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ.
وَلَوْ جَامَعَ مِرَارًا فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ وَلَمْ يُكَفِّرْهُ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا كَفَّرَ لِلْأُولَى، ثُمَّ جَامَعَ مَرَّةً أُخْرَى فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَلَوْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَيْنِ لَزِمَتْ كَفَّارَتَانِ كَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِلتَّدَاخُلِ (أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ عَمْدًا) سَوَاءٌ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ عَلَى الصَّحِيحِ وَشَرَطُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مِنْ كَوْنِ الْمَأْكُولِ (غَدَاءً) هُوَ اصْطِلَاحًا مَا يَقُومُ بَدَلَ مَا يَتَحَلَّلُ عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ الدَّمُ وَبَاقِي الْأَخْلَاطِ كَالْأَبَازِيرِ وَعُرْفًا وَهُوَ الْمُرَادُ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَصِيرَ الْبَدَلَ كَالْحِنْطَةِ وَالْخُبْزِ.
وَفِي الْمُحِيطِ إذَا أَكَلَ مَا يُؤْكَلُ عَادَةً يُكَفِّرُ وَمَا لَا فَلَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا يُكَفِّرُ، وَلَوْ مَضَغَ لُقْمَةً نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ فَابْتَلَعَهَا بَعْدَ إخْرَاجِهَا فَلَا كَفَّارَةَ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهَا شَيْءٌ تَعَافُهُ النَّاسُ وَإِنْ ابْتَلَعَهَا قَبْلَ إخْرَاجِهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ (أَوْ دَوَاءً) وَهُوَ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ بِالْكَيْفِيَّةِ فَقَطْ كَالْكَافُورِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ لَوْ أَكَلَ مَا يَتَدَاوَى بِهِ قَصْدًا أَوْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ يُكَفِّرُ وَإِلَّا فَلَا.
(وَكَذَا) أَيْ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ (لَوْ احْتَجَمَ) الصَّائِمُ (أَوْ اغْتَابَ) مِنْ الْغِيبَةِ (فَظَنَّ أَنَّهُ) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الِاحْتِجَامِ وَالِاغْتِيَابِ (فَطَّرَهُ فَأَكَلَ عَمْدًا) لِعَدَمِ الْفِطْرِ صُورَةً وَمَعْنًى فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الْغِيبَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ» مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ بِذَهَابِ الثَّوَابِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إذَا أَكَلَ عَمْدًا إنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَهُ سَوَاءٌ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَفْتَاهُ مُفْتٍ أَوْ لَمْ يُفْتِ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ بِالْغِيبَةِ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْحِجَامَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ، مِثْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ؛ وَلِهَذَا إذَا سَمِعَهُ فَأَفْطَرَ اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِهِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ لَا يَكُونُ أَدْنَى دَرَجَةً مِنْ قَوْلِ الْمُفْتِي لَكِنْ أَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْهُ: بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَكَذَا إذَا أَفْتَاهُ مُفْتٍ بِفَسَادِ صَوْمِهِ فَحِينَئِذٍ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَامِّيِّ الْأَخْذُ بِفَتْوَى الْمُفْتِي فَتَصِيرُ الْفَتْوَى شُبْهَةٌ فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فِي نَفْسِهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَفَّرَ الْعَامِّيُّ إذَا بَلَغَهُ الْحَدِيثُ فَأَكَلَ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ اسْتِفْتَاءٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ يُتْرَكُ ظَاهِرُهُ وَيُنْسَخُ.
وَلَوْ لَمَسَ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ أَوْ ضَاجَعَهَا وَلَمْ يُنْزِلْ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا تَأَوَّلَ حَدِيثًا أَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
(وَلَا كَفَّارَةَ بِإِفْسَادِ صَوْمٍ غَيْرِ رَمَضَانَ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ حُرْمَةَ الشَّهْرِ فَعَلَى هَذَا لَا تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ عَلَى قَضَاءِ رَمَضَانَ.
(وَيَجِبُ الْقَضَاءُ فَقَطْ) بِغَيْرِ كَفَّارَةٍ (لَوْ أَفْطَرَ خَطَأً) كَمَا إذَا تَمَضْمَضَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ فِي الْخَطَأِ لَا يُفْسِدُهُ كَالنِّسْيَانِ وَصَرَّحَ الْخَطَأَ مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ عَمْدًا تَفْصِيلًا لِمَحَلِّ الْخِلَافِ وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ مَا قِيلَ وَلَفْظُ الْخَطَأِ مُسْتَدْرَكٌ (أَوْ) أَفْطَرَ (مُكْرَهًا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا صُبَّ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ كَرْهًا أَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبٍ فَشَرِبَ هُوَ مُكْرَهًا يُفْطِرُ بِالْإِجْمَاعِ (أَوْ احْتَقَنَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ اسْتَعْمَلَ الْحُقْنَةَ (أَوْ اسْتَعَطَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ إيصَالُ مَائِعٍ إلَى الْجَوْفِ مِنْ طَرِيقِ الْمَنْخَرَيْنِ (أَوْ أُقْطِرَ فِي أُذُنَيْهِ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَأَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْمَاءِ وَلَمْ يُقَيِّدْ اعْتِمَادًا عَلَى انْفِهَامِهِ مِمَّا سَيَأْتِي وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ» وَلِوُجُودِ مَعْنَى الْفِطْرِ وَهُوَ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ إلَى الْجَوْفِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ الْفِطْرِ صُورَةً (أَوْ دَاوَى جَائِفَةً) وَهِيَ الطَّعْنَةُ الَّتِي تَبْلُغُ الْجَوْفَ (أَوْ) دَاوَى (آمَّةٍ) بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ وَهِيَ الشَّجَّةُ الَّتِي تَبْلُغُ أُمَّ الرَّأْسِ (فَوَصَلَ الدَّوَاءُ) فِي الْجَائِفَةِ (إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ) أَيْ وَصَلَ الدَّوَاءُ فِي الْآمَّةِ إلَى أُمِّ الرَّأْسِ وَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِوُصُولِ الْغَدَاءِ إلَى جَوْفِهِ وَقَالَا لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ مِنْ الْمَنْفَذِ الْأَصْلِيِّ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ سَوَاءٌ كَمَا هُوَ رَأْيُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ فَلَوْ لَمْ يَصِلْ الرَّطْبُ إلَى الْجَوْفِ لَمْ يُفْسِدْ، وَقِيلَ الرَّطْبُ مُفْسِدٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنَّمَا شَرَطَ كَوْنَهُ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا طُعِنَ بِرُمْحٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَإِنْ بَقِيَ الزُّجُّ فِي جَوْفِهِ، لَكِنْ إذَا نَفَذَ السَّهْمُ إلَى جَانِبٍ آخَرَ أَوْ دَخَلَ حَجَرٌ مِنْ جَائِفَةٍ أَوْ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ فِي دُبُرِهِ يَفْسُدُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ عَدَمُ الْفَسَادِ فِيمَا نَفَذَ السَّهْمُ إلَى جَانِبٍ آخَرَ وَدَخَلَ الْحَجَرُ فِي الْجَائِفَةِ وَكَذَا إذَا أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِيهِ عَلَى الْمُخْتَارِ لَكِنْ فِي الْمِنَحِ إنْ كَانَتْ رَطْبَةً فَفَسَدَ وَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً لَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَكَذَا لَوْ بَالَغَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ حَتَّى بَلَغَ مَوْضِعَ الْحُقْنَةِ أَفْطَرَهُ وَتَذَكُّرُ الصَّوْمِ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ النَّاسِيَ فِي جَمِيعِهَا لَيْسَ بِمُفْطِرٍ اتِّفَاقًا.
(أَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً أَوْ حَدِيدًا) أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ وَلَمْ يَرْغَبْ النَّاسُ فِي أَكْلِهِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْحِمَّصَةِ أَوْ أَكْثَرَ لَكِنْ لَوْ اعْتَادَ أَكْلَ الْحَصَاةِ وَالزُّجَاجِ وَالطِّينِ الَّذِي يَغْسِلُ بِهِ الرَّأْسَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ.
وَفِي الْمُنْيَةِ لَوْ ابْتَلَعَ الْحَصَاةَ مَثَلًا مِرَارًا لِأَجْلِ مَعْصِيَةٍ كَفَّرَ زَجْرًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَلَوْ أَكَلَ الطِّينَ الْأَرْمَنِيَّ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ لِلدَّوَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا كَفَّارَةَ فِي الطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ.
وَفِي الْمِنَحِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْمُخْتَارِ وَقِيلَ لَا تَجِبُ فِي قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ وَلَا فِي النَّوَاةِ وَالْقُطْنِ وَالْكَاغَدِ وَالسَّفَرْجَلِ إذَا لَمْ يُدْرِكْ وَلَا تَجِبُ فِي الدَّقِيقِ وَالْأُرْزِ وَالْعَجِينِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَتَجِبُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ النِّيءِ وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً مُنْتِنَةً إلَّا إنْ دَوَّدَتْ فَلَا تَجِبُ وَاخْتُلِفَ فِي الشَّحْمِ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ الْوُجُوبَ فَإِنْ كَانَ قَدِيدًا وَجَبَتْ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
وَلَوْ أَكَلَ دَمًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُكَفِّرُ وَقِيلَ يُكَفِّرُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَشْرَبُونَ الدَّمَ.
وَلَوْ ابْتَلَعَ فُسْتُقًا مَشْقُوقَ الرَّأْسِ كَفَّرَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ أَكَلَ الطِّينَ الَّذِي يُؤْكَلُ تَفَكُّهًا فَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ إلَّا أَنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا: بِوُجُوبِهَا اسْتِحْسَانًا وَعَنْهُ أَنَّهُ كَفَّرَ فِي الطِّينِ مُطْلَقًا.
(أَوْ اسْتَقَاءَ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ قَاءَ لَا قَضَاءَ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ» قَيَّدَ عَمْدًا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الِاسْتِقَاءِ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ إذْ حِينَئِذٍ لَا يَفْسُدُ وَمَنْ لَمْ يَتَنَبَّهْ لِهَذَا قَالَ ذِكْرُ الْعَمْدِ تَأْكِيدٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقَاءَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الْقَيْءِ وَهُوَ التَّكَلُّفُ فِيهِ وَلَا يَكُونُ التَّكَلُّفُ إلَّا بِالْعَمْدِ (مِلْءُ فَمِهِ) بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَلَّ لَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَفِي الْمِنَحِ هُوَ الصَّحِيحُ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْحَدِيثِ يَنْتَظِمُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفْطِرُ إلْحَاقًا بِمِلْءِ الْفَمِ لِكَثْرَةِ الصُّنْعِ.
وَقَالَ ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ وَضُعِّفَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِهِ تَعْلِيلًا فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ لِكَثْرَةِ الصُّنْعِ حَيْثُ اسْتَقَاءَ وَأَعَادَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا تَقَيَّأَ مَرَّةً أَوْ طَعَامًا أَوْ مَاءً فَإِنْ بَلْغَمًا لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَفْسُدُ إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ.
(أَوْ تَسَحَّرَ) أَيْ أَكَلَ السَّحُورَ بِفَتْحِ السِّينِ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ وَبِالضَّمِّ جَمْعُ سَحَرٍ، وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
وَفِي الدُّرَرِ فِي الْإِيمَانِ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى الْفَجْرِ (بِظَنِّهِ) أَيْ بِظَنِّ الْوَقْتِ الَّذِي تَسَحَّرَ فِيهِ (لَيْلًا وَالْفَجْرُ طَالِعٌ) وَالْحَالُ أَنَّ الْفَجْرَ الصَّادِقَ كَانَ طَالِعًا (أَوْ أَفْطَرَ) آخِرَ النَّهَارِ (يَظُنُّ) عَلَى لَفْظِ الْفِعْلِ أَوْ الظَّرْفِ (الْغُرُوبَ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ ظَانًّا غُرُوبَ الشَّمْسِ أَوْ بِظَنِّ أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ (وَلَمْ تَغْرُبْ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ وَالْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَاصِرَةٌ، وَلَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْأَفْضَلُ تَرْكُ السَّحُورِ وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ أَسَاءَ بِالْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ إذَا كَانَتْ بِبَصَرِهِ عِلَّةٌ أَوْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً أَوْ مُتَغَيِّمَةً أَوْ كَانَ فِي مَكَان لَا يَسْتَبِينُ فِيهِ الْفَجْرَ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَا يَأْكُلُ فَإِنْ أَكَلَ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عَمَلًا بِغَالِبِ الرَّأْيِ وَفِيهِ الِاحْتِيَاطُ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءُ الْأَمْرِ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَمْدُ بِهِ وَأَمَّا إذَا شَكَّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النَّهَارُ فَلَوْ أَكَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَمُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لُزُومُهَا قَالَ الْكَمَالُ هَذَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَلَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ رِوَايَةً وَاحِدَةً.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ النَّهَارَ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ أَكْبَرُ رَأْيِهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَتَسَحَّرُ بِقَوْلِ عَدْلٍ وَكَذَا بِضَرْبِ الطُّبُولِ وَاخْتُلِفَ فِي الدِّيكِ وَأَمَّا الْإِفْطَارُ فَلَا يَجُوزُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ بَلْ بِالْمُثَنَّى، وَلَوْ أَفْطَرَ أَهْلُ الرُّسْتَاقِ بِصَوْتِ الطَّبْلِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ ظَانِّينَ أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ وَهُوَ لِغَيْرِهِ لَمْ يُكَفِّرُوا.
(وَأَكَلَ نَاسِيًا) صَوْمَهُ (فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا) فَيَجِبُ الْقَضَاءُ لِوُصُولِ الْفِطْرِ وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ فَسَدَ قِيَاسًا فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فَإِنْ كَانَ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» وَعَلِمَ أَنَّ صَوْمَهُ لَا يَفْسُدُ فِي النِّسْيَانِ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لَهُمَا وَكَذَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَأَكَلَ مُتَعَمِّدًا كَفَّرَ إنْ كَانَ عَالِمًا فِي قَوْلِهِمْ، وَإِنْ جَاهِلًا فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ، وَلَوْ اغْتَسَلَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ أَفْطَرَهُ بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَى الْجَوْفِ وَالدِّمَاغِ مِنْ أُصُولِ الشَّعْرِ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا كَفَّرَ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَلَوْ احْتَلَمَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ثُمَّ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا كَفَّرَ وَإِنْ جَاهِلًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْطَرَ لَا يُكَفِّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا لَوْ اكْتَحَلَ أَوْ ادَّهَنَ نَفْسَهُ أَوْ شَارِبَهُ فَاسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ وَالْكُلُّ فِي الْخَانِيَّةِ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ نَاسِيًا فَظَنَّ الْفِطْرَ ثُمَّ جَامَعَ عَامِدًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
(أَوْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ نَائِمًا) أَيْ لَوْ كَانَ الصَّائِمُ نَائِمًا فَصَبَّ أَحَدٌ فِي فَمِهِ مَاءً أَوْ سَقَطَ مَاءُ الْمَطَرِ فِي فَمِهِ فَدَخَلَ جَوْفَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (أَوْ جُومِعَتْ نَائِمَةٌ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِانْعِدَامِ الْقَصْدِ (أَوْ مَجْنُونَةً) بِأَنْ جُنَّتْ بَعْدَ أَنْ نَوَتْ فَجَامَعَهَا رَجُلٌ ثُمَّ أَفَاقَتْ وَعَلِمَتْ بِمَا فَعَلَ فَإِنَّهَا تَقْضِي؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ وَإِنَّمَا يُنَافِي شَرْطَهُ أَعْنِي النِّيَّةَ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ حَالَ الْإِفَاقَةِ ثُمَّ جُنَّتْ وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا مُفْسِدٌ لَا تَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي نَوَتْهُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ: كَانَتْ فِي الْأَصْلِ مَجْبُورَةً فَصَحَّفَهَا الْكَاتِبُ مَعَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَجْبُورَةِ بِمَعْنَى الْمُجْبَرَةِ ضَعِيفٌ لَفْظًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(أَوْ لَمْ يَنْوِ فِي رَمَضَانَ صَوْمًا وَلَا فِطْرًا) مَعَ الْإِمْسَاكِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ لِعَدَمِ الْعِبَادَةِ بِفَقْدِ النِّيَّةِ.
(وَكَذَا لَوْ أَصْبَحَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ فَأَكَلَ) فَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ.
وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِغَيْرِ النِّيَّةِ عِنْدَهُ (وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا) إنْ أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ لَا؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيتُ إمْكَانِ التَّحْصِيلِ فَكَانَ قَادِرًا عَلَى النِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَلَهُ أَنَّ تَفْوِيتَهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ إذْ لَا صَوْمَ بِدُونِ النِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إلَى عَدَمِ تَأَدِّي الصَّوْمِ بِنِيَّةِ النَّهَارِ فَأَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً وَعَلَى هَذَا إطْلَاقُ الْمُصَنِّفُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِمَا إذَا أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ النِّيَّةَ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا فِي حُكْمِ الْعَدَمِ وَبِهَذَا اعْتَمَدَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ يَقَعُ قَبْلَ الزَّوَالِ بَدَأَ فَأَطْلَقَهُ.
تَدَبَّرْ.
(وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا لَا يُفْطِرُ) اسْتِحْسَانًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلَّذِي أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا «تِمَّ عَلَى صَوْمِك فَإِنَّمَا أَطْعَمَكَ اللَّهُ وَسَقَاك» وَالْجِمَاعُ فِي مَعْنَى الْأَكْلِ فَثَبَتَ أَيْضًا بِدَلَالَتِهِ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُفْطِرُ لِوُجُودِ مَا يُضَادُّ الصَّوْمَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ عَمِلْتُمْ بِهِ وَهُوَ خَبَرُ الْوَاحِدِ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ فِيهِ بِالْإِمْسَاكِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَاكَ قُلْت: عَمِلْنَا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّسْيَانِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وَالْأَصَحُّ أَنَّ النِّسْيَانَ قَبْلَ النِّيَّةِ وَبَعْدَهَا سَوَاءٌ.
وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا أَوَّلَ النَّهَارِ ثُمَّ نَوَى فِي وَقْتِهِ جَازَ وَقِيلَ: لَمْ يَجُزْ وَمَنْ رَأَى صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا يُخْبِرُهُ إذَا كَانَ شَابًّا وَإِنْ شَيْخًا لَا.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ إنْ رَأَى قُوَّةً يُمْكِنُهُ أَنْ يُتِمَّ الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ يُخْبِرُهُ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْوَاقِعَاتِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُخْبِرُهُ.
وَفِي الْخِزَانَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْضِيَ إذَا أَفْطَرَ نَاسِيًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ يَأْكُلُ نَاسِيًا فَقِيلَ لَهُ: إنَّك صَائِمٌ فَأَكَلَ وَهُوَ لَا يَذْكُرُ صَوْمَهُ أَفْطَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ حُجَّةٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ بَدَأَ بِالْجِمَاعِ نَاسِيًا أَوْ أَوْلَجَ قَبْلَ الطُّلُوعِ ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ وَالنَّاسِي تَذَكَّرَ إنْ نَزَعَ نَفْسَهُ فِي فَوْرِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ دَاوَمَ حَتَّى نَزَلَ مَاؤُهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ: بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ مَكَثَ وَلَمْ يُحَرِّكْ نَفْسَهُ لَا كَفَّارَةَ وَإِنْ حَرَّك نَفْسَهُ بَعْدَهُ كَفَّرَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
وَلَوْ أَوْلَجَ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلَمَّا خَشِيَ الصُّبْحَ نَزَعَ وَأَمْنَى بَعْدَ الصُّبْحِ فَلَا شَيْءَ فِي الصَّحِيحِ.
(وَكَذَا لَوْ نَامَ) نَهَارًا (فَاحْتَلَمَ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «ثَلَاثَةٌ بِالتَّاءِ وَبِدُونِهِ رِوَايَةٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّوْمَ الْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ وَالِاحْتِلَامُ» (أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِنْزَالُ عَنْ شَهْوَةٍ بِالْمُبَاشَرَةِ كَمَا إذَا تَفَكَّرَ فَأَمْنَى.
وَلَوْ اسْتَمْنَى بِكَفِّهِ أَفْطَرَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ (أَوْ ادَّهَنَ أَوْ اكْتَحَلَ) وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ مِنْ الْمَسَامِّ الْغَيْرِ النَّافِذَةِ لَا يُنَافِي كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ وَوَجَدَ بُرُودَتَهُ فِي كَبِدِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا عَلَى الْخِلَافِ قِيَاسًا عَلَى صَبِّ الْمَاءِ عَلَى الْبَدَنِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (أَوْ قَبَّلَ) سَوَاءٌ فِي فَمِهِ أَوْ مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ بَدَنِهِ وَلَمْ يُنْزِلْ لِعَدَمِ الْمُنَافِي لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى (أَوْ اغْتَابَ أَوْ احْتَجَمَ) لِمَا رَوَيْنَاهُ آنِفًا (أَوْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ) لَوْ مِلْءَ الْفَمِ (أَوْ تَقَيَّأَ) أَوْ تَكَلَّفَ فِي الْقَيْءِ (قَلِيلًا) لَمْ يَبْلُغْ مِلْءَ الْفَمِ هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (أَوْ أَصْبَحَ جُنُبًا)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُصْبِحُ أَحْيَانَا جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْمُبَاشَرَةَ بِاللَّيْلِ وَمِنْ ضَرُورَتِهَا وُقُوعُ الْغُسْلِ بَعْدَ الصُّبْحِ.
(أَوْ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ مَاءٌ) وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ صُبَّ الْمَاءُ فِي أُذُنِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ.
(وَكَذَا لَوْ صُبَّ فِي إحْلِيلِهِ دُهْنٌ أَوْ غَيْرُهُ لَا يَفْسُدُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ يُفْطِرُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَالْأَظْهَرُ مَعَ الْإِمَامِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ بَيْنَ الْمَثَانَةِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مَنْفَذَ لَهُ وَإِنَّمَا يَجْتَمِعُ الْبَوْلُ فِيهَا بِالتَّرْشِيحِ: كَمَا يَقُولُ الْأَطِبَّاءُ هَذَا فِيمَا وَصَلَ إلَى الْمَثَانَةِ فَإِنْ لَمْ يَصِلْ بِأَنْ كَانَ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ لَا يُفْطِرُ اتِّفَاقًا وَالْإِفْطَارُ فِي أَقْبَالِ النِّسَاءِ قَالُوا أَيْضًا عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ يَفْسُدُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ،.
وَلَوْ وَضَعَتْ قُطْنَةً فَانْتَهَتْ إلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ وَهُوَ الرَّحِمُ فَسَدَ.
(وَإِنْ دَخَلَ فِي حَلْقِهِ غُبَارٌ أَوْ دُخَانٌ أَوْ ذُبَابٌ) وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ (لَا يُفْطِرُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُفْطِرَ لِوُصُولِ الْمُفْطِرِ إلَى جَوْفِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَغَذَّى بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ فَإِنَّهُ إذَا أَطْبَقَ الْفَمَ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الدُّخُولِ مِنْ الْأَنْفِ فَصَارَ كَبَلَلٍ تَبَقَّى فِي فِيهِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَدْخَلَ حَلْقَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ حَتَّى إنَّ مَنْ تَبَخَّرَ بِبَخُورٍ فَاسْتَشَمَّ دُخَانَهُ فَأَدْخَلَهُ حَلْقَهُ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ أَفْطَرَ؛ لِأَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الدُّخُولِ وَالْإِدْخَالِ فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِدْخَالَ عَمَلُهُ وَالتَّحَرُّزُ مُمْكِنٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ إذَا دَخَلَ الذُّبَابُ جَوْفَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا هُوَ ضِدُّ الصَّوْمِ وَهُوَ إدْخَالُ الشَّيْءِ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الْبَاطِنِ وَهَذَا مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ دَخَلَ دَمْعُهُ أَوْ عَرَقُ جَبْهَتِهِ أَوْ دَمُ رُعَافِهِ حَلْقَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ.
(وَلَوْ) دَخَلَ حَلْقَهُ (مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ أَفْطَرَ فِي الْأَصَحِّ) وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَطَرِ وَالثَّلْجِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمَطَرُ يُفْسِدُ وَالثَّلْجُ لَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْعَكْسِ وَقَالَ عَامَّتُهُمْ بِإِفْسَادِهِمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِحُصُولِ الْمُفْطِرِ مَعْنًى وَلِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ إذْ آوَاهُ إلَى خَيْمَةٍ أَوْ سَقْفٍ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
وَقَالَ سَعْدِيٌّ أَفَنْدِي قَالَ ابْنُ الْعِزِّ فِي تَعْلِيلِهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَ خَيْمَةٍ وَلَا سَقْفٍ، وَلَوْ عَلَّلَ بِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ بِضَمِّ فَمِهِ لَكَانَ أَظْهَرَ ثُمَّ قَالَ فِيهِ تَأَمُّلٌ انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: وَجْهُ التَّأَمُّلِ إمْكَانُ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْغُبَارِ وَالدُّخَانِ وَالذُّبَابِ بِضَمِّ فَمِهِ أَيْضًا انْتَهَى.
أَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْغُبَارِ وَالدُّخَانِ بِضَمِّ فَمِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَطْبَقَ الْفَمَ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الدُّخُولِ مِنْ الْأَنْفِ كَمَا بَيَّنَ آنِفًا فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَفِي الْفَتْحِ، وَلَوْ دَخَلَ فَمَه مَطَرٌ كَثِيرٌ فَابْتَلَعَهُ كَفَّرَ.
وَلَوْ خَرَجَ دَمٌ مِنْ أَسْنَانِهِ فَدَخَلَ حَلْقَهُ إنْ سَاوَى الرِّيقَ فَسَدَ وَإِلَّا لَا.
وَلَوْ اسْتَشَمَّ الْمُخَاطَ مِنْ أَنْفِهِ حَتَّى أَدْخَلَهُ فَمَه وَابْتَلَعَهُ عَمْدًا لَا يُفْطِرُ.
وَلَوْ خَرَجَ رِيقُهُ مِنْ فَمِهِ فَأَدْخَلَهُ وَابْتَلَعَهُ إنْ كَانَ لَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ فِيهِ بَلْ مُتَّصِلٌ بِمَا فِي فِيهِ كَالْخَيْطِ فَاسْتَشْرَبَهُ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ كَانَ انْقَطَعَ وَأَخَذَهُ وَأَعَادَهُ أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ.
وَفِي الْكَنْزِ لَوْ ابْتَلَعَ بُزَاقَ صَدِيقِهِ كَفَّرَ، وَلَوْ اجْتَمَعَ الرِّيقُ فِي فِيهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ يُكْرَهُ وَلَا يُفْطِرُ.
وَلَوْ تَغَيَّرَ رِيقُ الْخَيَّاطِ بِخَيْطٍ مَصْبُوغٍ وَابْتَلَعَهُ إنْ صَارَ رِيقُهُ مِثْلَ صَبْغِ الْخَيْطِ فَسَدَ وَإِلَّا لَا.
وَلَوْ تَرَطَّبَ شَفَتَاهُ بِالْبُزَاقِ عِنْدَ الْكَلَامِ وَنَحْوِهِ فَابْتَلَعَهُ لَا يُفْطِرُ.
وَفِي الْمُنْيَةِ، لَوْ فَتَلَ خَيْطًا بِبُزَاقِهِ ثُمَّ أَدْخَلَهُ فِي فِيهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ لَمْ يَفْسُدْ وَإِنْ فَعَلَهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، وَكَذَا لَوْ ابْتَلَعَ سِلْكَةً وَطَرَفُهَا بِيَدِهِ أَمَّا لَوْ ابْتَلَعَ الْكُلَّ فَسَدَ.
(وَلَوْ وَطِئَ) امْرَأَةً (مَيِّتَةً أَوْ بَهِيمَةً) حَيَّةً (أَوْ) وَطِئَ حَيًّا (فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ) كَالْفَخِذِ وَالْبَطْنِ وَالْإِبْطِ (أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ) أَيْ مَسَّ الْبَشَرَةَ بِلَا حَائِلٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَسَّهَا مِنْ وَرَاءِ الثَّوْبِ فَأَنْزَلَ فَسَدَ إذَا وَجَدَ حَرَارَةَ أَعْضَائِهِمْ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ (إنْ أَنْزَلَ) قَيْدٌ لِلْجَمِيعِ (أَفْطَرَ) وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ فِي الْإِنْزَالِ يُوجَدُ فِيهَا مَعْنَى الْجِمَاعِ وَلَا كَفَّارَةَ لِنُقْصَانِ الْجِنَايَةِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ الْمُشْتَهَى فِي الْمَيِّتَةِ وَالْبَهِيمَةِ وَلِعَدَمِ صُورَةِ الْجِمَاعِ فِي الْبَاقِي.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ (فَلَا) يُفْطِرْ لِعَدَمِ مُوجِبِ الْإِفْطَارِ، وَلَوْ قَبَّلَ بَهِيمَةً أَوْ نَظَرَ فَرْجَهَا فَأَنْزَلَ لَا يَفْسُدُ.
(وَإِنْ ابْتَلَعَ) الصَّائِمُ (مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ) مِمَّا يُؤْكَلُ (فَإِنْ كَانَ) مَا ابْتَلَعَهُ (قَدْرَ الْحِمَّصَةِ قَضَى، وَإِنْ كَانَ دُونَهَا لَا يَقْضِي) وَقَالَ زُفَرُ يَقْضِي؛ لِأَنَّ الْفَمَ لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِالْمَضْمَضَةِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْقَلِيلَ يَبْقَى عَادَةً بَيْنَ الْأَسْنَانِ فَيَكُونُ تَابِعًا لِلرِّيقِ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا قَدْرُ الْحِمَّصَةِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الِابْتِلَاعُ بِلَا اسْتِعَانَةِ الْبُزَاقِ فَهُوَ عَلَامَةُ الْقِلَّةِ، وَإِلَّا فَعَلَامَةُ الْكَثْرَةِ.
وَقَالَ وَهُوَ حَسَنٌ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ لَكِنْ لَا كَفَّارَةَ فِي قَدْرِ الْحِمَّصَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَعَافُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ.
وَفِي الْفَتْحِ وَالتَّحْقِيقِ أَنَّ الْمُفْتِيَ فِي الْوَقَائِعِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ضَرْبِ اجْتِهَادٍ وَمَعْرِفَةٍ بِأَحْوَالِ النَّاسِ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ فَيَنْظُرُ فِي صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَعَافُ طَبْعُهُ ذَلِكَ أَخَذَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا أَثَرَ عِنْدَهُ لِذَلِكَ أَخَذَ بِقَوْلِ زُفَرَ (إلَّا إذَا أَخْرَجَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْقَلِيلَ مِنْ فِيهِ (ثُمَّ أَكَلَهُ) فَإِنَّهُ يَقْضِي فَقَطْ بِلَا خِلَافٍ.
(وَلَوْ أَكَلَ سِمْسِمَةً مِنْ الْخَارِجِ إنْ ابْتَلَعَهَا أَفْطَرَ) فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ.
(وَإِنْ مَضَغَهَا فَلَا)؛ لِأَنَّهَا تَتَلَاشَى فِي فَمِهِ إلَّا إذَا وَجَدَ طَعْمَهَا فَفَسَدَ (وَالْقَيْءُ مِلْءُ الْفَمِ إنْ عَادَ) بِنَفْسِهِ (أَوْ أُعِيدَ) وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ (يَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا) مِنْ مِلْءِ فَمِهِ (لَا يَفْسُدُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَفْسُدُ بِإِعَادَةِ الْقَلِيلِ لَا) يَفْسُدُ (بِعَوْدِ الْكَثِيرِ) وَالْحَاصِلُ: أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَعْتَبِرُ الْخُرُوجَ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الصُّنْعَ وَفِي إعَادَةِ الْكَثِيرِ يُفْطِرُ إجْمَاعًا وَفِي عَوْدِهِ يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي عَوْدِ الْقَلِيلِ لَا يُفْطِرُ إجْمَاعًا وَفِي إعَادَتِهِ يُفْطِرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ.
(وَكُرِهَ ذَوْقُ شَيْءٍ) مُفْطِرٍ مِنْ غَدَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضُ الصَّوْمِ لِلْفَسَادِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قِيلَ هَذَا فِي الْفَرْضِ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا يُكْرَهُ (وَمَضْغُهُ بِلَا عُذْرٍ) وَإِنْ كَانَ فِي فِيهِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْمَضْغِ فَلَا شَيْءَ.
وَفِي التَّبْيِينِ لَا بَأْسَ بِأَنْ تَذُوقَ الْمَرْأَةُ الْمَرَقَةَ بِلِسَانِهَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ سَيِّدُهَا سَيِّئَ الْخُلُقِ.
وَفِي الْفَتْحِ وَلَيْسَ مِنْ الْأَعْذَارِ الذَّوْقُ عِنْدَ الشِّرَاءِ لِيَعْرِفَ الْجَيِّدَ مِنْ الرَّدِيءِ بَلْ يُكْرَهُ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ خَوْفًا لِلْغَبْنِ فِي الْمُشْتَرَى.
(وَ) كُرِهَ (مَضْغُ الْعِلْكِ) قِيلَ إذَا كَانَ أَبْيَضَ مَمْضُوغًا وَإِلَّا يُفْطِرُ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ بِأَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ عِلْكٍ وَعِلْكٍ وَمَمْضُوغٍ وَغَيْرِ مَمْضُوغٍ كَمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَفِي الْفَتْحِ إذَا فُرِضَ فِي بَعْضِ الْعِلْكِ مَعْرِفَةُ الْوُصُولِ مِنْهُ عَادَةً وَجَبَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْفَسَادِ وَلِأَنَّهُ كَالْمُتَيَقَّنِ وَفِي غَيْرِ الصَّوْمِ لَا يُكْرَهُ وَلِلْمَرْأَةِ مَضْغُ الْعِلْكِ فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ السِّوَاكِ فِي حَقِّهِنَّ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ إذَا لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ.
(وَ) كُرِهَ (الْقُبْلَةُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ) الْوُقُوعَ فِي الْوِقَاعِ أَوْ الْإِنْزَالِ عَلَى نَفْسِهِ (لَا) يُكْرَهُ (إنْ أَمِنَ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلشَّيْخِ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ قَالَ تَكْرَهُ الْقُبْلَةُ مُطْلَقًا.
(وَلَا) يُكْرَهُ (الْكَحْلَ) أَيْ اسْتِعْمَالُ الْكُحْلِ وَيَجُوزُ ضَمُّ الْكَافِّ لَكِنَّ الْفَتْحَ يُنَاسِبُ بِالْمَقَامِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتَحَلَ وَهُوَ صَائِمٌ».
(وَدَهْنُ الشَّارِبِ) بِفَتْحِ الدَّالِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَبِالضَّمِّ اسْمٌ وَالِاسْمُ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الشَّارِبِ يَأْبَاهُ وَإِنَّمَا لَا يُكْرَهُ إذَا قُصِدَ بِهِمَا التَّدَاوِي دُونَ الزِّينَةِ.
(وَ) لَا يُكْرَهُ (السِّوَاكُ) أَيْ اسْتِعْمَالُ الْخَشَبِ الْمَخْصُوصِ سَوَاءٌ كَانَ مَبْلُولًا بِالْمَاءِ أَوْ لَا وَكَرِهَ أَبُو يُوسُفَ بِالرَّطْبِ وَالْمَبْلُولِ (وَلَوْ عَشِيًّا) أَيْ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَرِهَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ الزَّوَالِ.
(وَلَا) يُكْرَهُ (مَضْغُ طَعَامٍ لَا بُدَّ مِنْهُ لِطِفْلٍ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَمْضُغُ لَهُ مِمَّنْ هُوَ لَيْسَ بِصَائِمٍ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَأْكُلُهُ ذَلِكَ الصَّبِيُّ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ الْمَمْنُوعَ فَالْأَوْلَى أَنْ تُبِيحَ الْمَكْرُوهَ.
(وَلَا) تُكْرَهُ (الْحِجَامَةُ) لِمَا رَوَيْنَاهُ آنِفًا (وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ الِاسْتِنْشَاقُ لِلتَّبَرُّدِ) وَصَبُّ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ.
(وَكَذَا الِاغْتِسَالُ وَالتَّلَفُّفُ بِثَوْبٍ) مَبْلُولٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّضَجُّرِ فِي إقَامَةِ الْعِبَادَةِ.
(وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِوُرُودِ الْأَثَرِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَوْنٌ عَلَى الْعِبَادَةِ وَدَفْعٌ لِلتَّضَجُّرِ الطَّبِيعِيِّ وَبِهِ يُفْتَى.
(وَقِيلَ تُكْرَهُ الْمَضْمَضَةُ لِغَيْرِ عُذْرٍ) وَإِنَّمَا قَالَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِيَشْمَلَ الْوُضُوءَ وَمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْيُبُوسَةِ حَيْثُ لَوْ لَمْ يَتَمَضْمَضْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّكَلُّمِ.
(وَ) تُكْرَهُ (الْمُبَاشَرَةُ وَالْمُعَانَقَةُ وَالْمُصَافَحَةُ فِي رِوَايَةٍ) عَنْ الْإِمَامِ لِتَعَرُّضِهِ لِلْفَسَادِ.
(وَيُسْتَحَبُّ السَّحُورُ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» قِيلَ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ حُصُولُ التَّقَوِّي عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ الْمُرَادُ زِيَادَةُ الثَّوَابِ.
وَفِي الْفَتْحِ وَلَا مُنَافَاةَ فَلْيَكُنْ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ.
(وَتَأْخِيرُهُ) أَيْ السَّحُورِ إلَى مَا لَمْ يَشُكَّ فِي الْفَجْرِ.
(وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ وَالسِّوَاكُ» وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَقُولَ حِينَ الْإِفْطَارِ اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَبِك آمَنْتُ وَعَلَيْك تَوَكَّلْتُ وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْتُ وَلِصَوْمِ الْغَدِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ نَوَيْتُ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ.

.فَصْلٌ فِي بَيَانِ وُجُوهِ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلْإِفْطَارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا:

وَلَمَّا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بِالْعُذْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلْإِثْمِ؛ فَلِذَا ذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ (يُبَاحُ الْفِطْرُ لِمَرِيضٍ خَافَ) بِالِاجْتِهَادِ أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ وَقِيلَ عَدَالَتُهُ شَرْطٌ وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ غَلَبَةُ الظَّنِّ (زِيَادَةَ) مَنْصُوبٌ لِنَزْعِ الْخَافِضِ (مَرَضِهِ) الْكَائِنِ أَوْ امْتِدَادَهُ أَوْ وَجَعَ الْعَيْنِ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ صُدَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ خَوْفُ عَوْدِ الْمَرَضِ وَنُقْصَانِ الْعَقْلِ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى أَنْ يَمْرَضَ بِالصَّوْمِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْأَمَةُ الَّتِي تَخْدُمُ إذَا خَافَتْ الضَّعْفَ جَازَ أَنْ تُفْطِرَ ثُمَّ تَقْضِيَ وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ الِائْتِمَارِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى إذَا كَانَ يُعْجِزُهَا عَنْ أَدَاءِ الْفَرْضِ، وَالْعَبْدُ كَالْأَمَةِ وَمَنْ لَهُ نَوْبَةُ حُمَّى فَأَفْطَرَ مَخَافَةَ الضَّعْفِ عِنْدَ إصَابَةِ الْحُمَّى فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْكَائِنِ وَقَالَ نَجْمُ الْأَئِمَّةِ مَنْ اشْتَدَّ مَرَضُهُ كُرِهَ صَوْمُهُ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ بَرِئَ مِنْ الْمَرَضِ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ هُوَ الْمَرَضُ لَا الضَّعْفُ وَكَذَا لَوْ خَافَ مِنْ الْمَرَضِ فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي التَّبْيِينِ وَوَفَّقَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْخَوْفِ فِي كَلَامِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ مُجَرَّدُ الْوَهْمِ.
وَفِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ غَلَبَةُ الظَّنِّ فَلَا مُخَالَفَةَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُفْطِرَ مَنْ ذَهَبَ بِهِ مُتَوَكِّلُ السُّلْطَانِ إلَى الْعِمَارَةِ فِي الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ وَالْعَمَلُ حَثِيثٌ إذَا خَشِيَ الْهَلَاكَ أَوْ نُقْصَانَ الْعَقْلِ.
وَفِي الْمُبْتَغِي الْعَطَشُ الشَّدِيدُ وَالْجُوعُ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكَ يُبِيحُ الْإِفْطَارَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِتْعَابِ نَفْسِهِ وَمَنْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي شَيْءٍ أَوْ عَمَلٍ حَتَّى أَجْهَدَهُ الْعَطَشُ فَأَفْطَرَ كَفَّرَ، وَقِيلَ لَا وَالْغَازِي إذَا كَانَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَيَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ يُقَاتِلُ فِي رَمَضَانَ وَخَافَ الضَّعْفَ إنْ لَمْ يُفْطِرْ يُفْطِرُ قَبْلَ الْحَرْبِ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا (بِالصَّوْمِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُفْطِرُ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ أَوْ فَوَاتَ الْعُضْوِ (وَلِلْمُسَافِرِ) الَّذِي لَهُ قَصْرُ الصَّلَاةِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُسَافِرُ إذَا تَذَكَّرَ شَيْئًا قَدْ نَسِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَدَخَلَ فَأَفْطَرَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ قِيَاسًا، وَبِهِ نَأْخُذُ وَلَوْ سَافَرَ مِنْ مَكَانِهِ أَوْ حَضَرَ مِنْ سَفَرِهِ أَفْطَرَ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَصَوْمُهُ) أَيْ الْمُسَافِرِ (أَحَبُّ) أَيْ أَفْضَلُ إذَا لَمْ يُفْطِرْ عَامَّةُ رُفَقَائِهِ، وَإِلَّا فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ بَيْنَهُمْ مُشْتَرَكَةً.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْفِطْرُ أَفْضَلُ وَعِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} وَمَا رَوَوْهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْجَهْدِ (إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) السَّفَرُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الصَّوْمَ مَكْرُوهٌ إذَا أَجْهَدَهُ (وَلَا قَضَاءَ إنْ مَاتَا عَلَى حَالِهِمَا) أَيْ الْمَرِيضُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْحَقِيقِيُّ أَوْ الْحُكْمِيُّ كَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ وَالْحَائِضِ وَغَيْرِهِنَّ وَالْمُسَافِرِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا الْوَصِيَّةُ بِالْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْقَضَاءُ.
(وَيَجِبُ) الْقَضَاءُ (بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمَا إنْ صَحَّ) الْمَرِيضُ وَلَوْ قَالَ إنْ قَدَرَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْقُدْرَةُ لَا الصِّحَّةُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا تَسْتَلْزِمَ الثَّانِيَةَ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (أَوْ أَقَامَ) الْمُسَافِرُ (بِقَدْرِهِ) أَيْ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُ لِوُجُودِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ الْمَرِيضُ وَلَمْ يَقُمْ الْمُسَافِرُ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمَا بَلْ قَدَرَ أَوْ أَقَامَ مِقْدَارًا أَنْقَصَ مِنْ مُدَّةِ الْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ ثُمَّ مَاتَا (فَبِقَدْرِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ)، وَفَائِدَةُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ بِقَدْرِهِمَا وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِمَا وَعَنْ هَذَا قَالَ مُفَرِّعًا عَلَيْهِ (فَيُطْعِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ) أَرَادَ بِهِ مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ فَيَشْمَلُ الْوَصِيَّ (لِكُلِّ يَوْمٍ كَالْفِطْرَةِ) أَيْ وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُؤَدِّيَ فِدْيَةَ مَا فَاتَهُمَا مِنْ أَيَّامِ الصِّيَامِ كَالْفِطْرَةِ عَيْنًا أَوْ قِيمَةً فَلَوْ فَاتَ بِالْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ صَوْمُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ مَثَلًا وَعَاشَ بَعْدَهُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ بِلَا قَضَاءٍ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ فَاتَ خَمْسَةٌ وَعَاشَ ثَلَاثَةً فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ (وَيَلْزَمُ) أَيْ وَيَجِبُ إطْعَامُ الْوَارِثِ (مِنْ الثُّلُثِ) إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَإِلَّا فَمِنْ الْكُلِّ (إنْ أَوْصَى) الْمُوَرِّثُ، وَفِيهِ أَنَّ الْإِيصَاءَ وَاجِبٌ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا وَوَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ أَوْ لِعُذْرٍ مَا وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ بَدَنِيَّةٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوصِ (فَلَا لُزُومَ) لِلْوَرَثَةِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
(وَإِنْ تَبَرَّعَ) الْوَلِيُّ (بِهِ) أَيْ بِالْإِطْعَامِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ (صَحَّ) وَيَكُونُ لَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الزَّكَاةُ (وَالصَّلَاةُ) الْمَكْتُوبَةُ أَوْ الْوَاجِبَةُ كَالْوِتْرِ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا الْوِتْرُ مِثْلُ السُّنَنِ لَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (كَالصَّوْمِ، وَفِدْيَةُ كُلِّ صَلَاةٍ كَصَوْمِ يَوْمٍ) أَيْ كَفِدْيَتِهِ.
(وَهُوَ الصَّحِيحُ) رَدٌّ لِمَا قِيلَ: فِدْيَةُ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَصَوْمِ يَوْمِهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَوْ لَا بِلَا قَيْدِ الْإِعْسَارِ ثُمَّ رَجَعَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْفِدَاءُ عَنْ الصَّلَاةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْبَلْخِيُّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ فَرَّطَ بِأَدَائِهَا بِإِطَاعَةِ النَّفْسِ وَخِدَاعِ الشَّيْطَانِ ثُمَّ نَدِمَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَأَوْصَى بِالْفِدَاءِ لَمْ يُجْزِئْ لَكِنْ فِي الْمُسْتَصْفَى دَلَالَةٌ عَلَى الْإِجْزَاءِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوصِ بِفِدَائِهِمَا وَتَبَرَّعَ وَارِثُهُ جَازَ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ أَمْرٌ مُسْتَحْسَنٌ يَصِلُ إلَيْهِ ثَوَابُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْدِيَ قَبْلَ الدَّفْنِ وَإِنْ جَازَ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَلَا يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَلَا يُصَلِّي) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَكِنْ يُطْعِمُ» خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.

.قَضَاءُ رَمَضَانَ:

(وَقَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَهُ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ (وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ) وَهُوَ أَفْضَلُ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ: الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَوْعًا ثَمَانِيَةٌ مِنْهَا مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: أَرْبَعَةٌ مِنْهَا مُتَتَابِعَةٌ وَهِيَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا صَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ وَهِيَ قَضَاءُ صَوْمِ رَمَضَانَ وَصَوْمِ الْمُتْعَةِ وَصَوْمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَصَوْمِ كَفَّارَةِ الْحَلِفِ، وَسِتَّةٌ مَذْكُورَةٌ فِي السُّنَّةِ وَهِيَ صَوْمُ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ عَمْدًا وَصَوْمُ النَّذْرِ وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ وَالصَّوْمُ الْوَاجِبُ بِالْيَمِينِ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَ مِنْ شَهْرٍ وَصَوْمُ اعْتِكَافٍ وَصَوْمُ قَضَاءِ التَّطَوُّعِ عِنْدَ الْإِفْسَادِ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ خَالَفَ الشَّافِعِيُّ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا قَالَ إنَّ صَوْمَ الْكَفَّارَةِ لَيْسَ بِمُتَتَابِعٍ وَالثَّانِي قَالَ إنَّ صَوْمَ الِاعْتِكَافِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَالثَّالِثِ قَالَ لَا يَجِبُ قَضَاءُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ (فَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ الْقَضَاءَ (حَتَّى جَاءَ) رَمَضَانُ (آخَرُ قَدَّمَ الْأَدَاءَ) عَلَى الْقَضَاءِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُهُ (ثُمَّ قَضَى وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ عَلَى التَّرَاخِي وَلِهَذَا جَازَ التَّطَوُّعُ قَبْلَهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ الْفِدَاءُ إنْ أَخَّرَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ.
(وَالشَّيْخُ) مَنْ جَاوَزَ عُمُرُهُ خَمْسِينَ (الْفَانِي) سُمِّيَ بِهِ لِفَنَاءِ قُوَاهُ أَوْ لِلْقُرْبِ مِنْهُ، أَوْ فِي الزِّيَادَاتِ الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي يَعْجِزُ عَنْ الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ وَيَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ عَجْزُهُ إلَى أَنْ يَكُونَ مَآلُهُ الْمَوْتَ بِسَبَبِ الْهَرَمِ وَكَذَا الْعَجُوزُ (إذَا عَجَزَ عَنْ) أَدَاءِ (الصَّوْمِ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ) مِسْكِينًا (كَالْفِطْرَةِ) عِبَارَةُ يُطْعِمُ تُنْبِئُ عَنْ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّمْلِيكِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ الْفِدْيَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكُ مَا بِهِ يُتَخَلَّصُ عَنْ مَكْرُوهٍ تَوَجَّهَ إلَيْهِ لَكِنْ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ مَفْعُولَهُ الثَّانِيَ إذَا ذُكِرَ فَلِلتَّمْلِيكِ وَإِلَّا فَلِلْإِبَاحَةِ وَفِي التَّبْيِينِ قَالَ مَالِكٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ فَأَشْبَهَ الْمَرِيضَ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبُرْءِ، وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ.
وَلَوْ كَانَ الشَّيْخُ الْفَانِي مُسَافِرًا فَمَاتَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْفِدْيَةِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ تَصَدَّقَ بِاللَّيْلِ مِنْ صَوْمِ الْغَدِ يُجْزِيهِ (وَإِنْ قَدَرَ) عَلَى الصَّوْمِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا فَدَى (لَزِمَهُ الْقَضَاءُ)؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْخَلَفِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ دَوَامُ الْعَجْزِ.
(وَحَامِلٌ) أَيْ ذَاتُ حَمَلٍ بِالْفَتْحِ أَيْ لَهَا وَلَدٌ فِي الْبَطْنِ وَالْحَامِلَةُ الْمَرْأَةُ الَّتِي عَلَى ظَهْرِهَا أَوْ رَأْسِهَا حِمْلٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ (أَوْ مُرْضِعٌ) أَيْ ذَاتُ الرَّضَاعِ أَيْ الَّتِي لَهَا وَلَدٌ رَضِيعٌ وَإِنْ لَمْ تُبَاشِرْ الْإِرْضَاعَ فِي حَالِ وَضْعِهَا وَالْمُرْضِعَةُ الَّتِي هِيَ فِي حَالِ الْإِرْضَاعِ مُلْقِمَةٌ ثَدْيَهَا لِلصَّبِيِّ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قِيلَ: وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ كَمَا فِي حَائِضٍ وَطَالِقٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَةِ الثَّابِتَةِ لَا الْحَادِثَةِ وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ الْحُدُوثُ يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ بِأَنْ يُقَالَ حَائِضَةٌ الْآنَ أَوْ غَدًا (خَافَتْ) كُلُّ وَاحِدَةٍ يُعْلَمُ الضَّرَرُ بِاجْتِهَادِهَا أَوْ بِقَوْلِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ (عَلَى نَفْسِهَا أَوْ وَلَدِهَا) الْمَخْصُوصِ بِالْمُرْضِعِ الَّتِي هِيَ الْأُمُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ قِيلَ الْمُرَادُ بِالْمُرْضِعِ هَاهُنَا الظِّئْرُ بِوُجُوبِ الْإِرْضَاعِ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّ الْأَبَ يَسْتَأْجِرُ غَيْرَهَا لَكِنْ يَرُدُّهُ إضَافَةُ الْوَلَدِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُضَافُ إلَى الْمُسْتَأْجَرَةِ؛ وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمِّ دِيَانَةً لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلزَّوْجِ قُدْرَةٌ عَلَى اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ فَصَارَتْ كَالظِّئْرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْوُجُوبُ دِيَانَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْقُدْرَةِ وَكَلَامُنَا فِي أَنَّ الْأُمَّ حَالَةَ الصَّوْمِ لَا تَقْدِرُ عَلَى الْإِرْضَاعِ فَلَا يَجِبُ فَلَا عُذْرَ نَعَمْ إذَا تَعَيَّنَتْ الْأُمُّ لِلْإِرْضَاعِ بِفَقْدِ الظِّئْرِ أَوْ بِعَدَمِ قُدْرَةِ الزَّوْجِ عَلَى اسْتِئْجَارِهَا أَوْ بِعَدَمِ أَخْذِ الْوَلَدِ ثَدْيَ غَيْرِ الْأُمِّ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ؛ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصِيَانَةِ الْوَلَدِ، وَهِيَ لَا تَتَأَتَّى بِدُونِ الْإِفْطَارِ فَلَا خُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِدُونِهِ فَالْعُذْرُ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُهُ لِأَجْلِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ نَعَمْ هُوَ عُذْرٌ لَكِنْ لَا فِي نَفْسِ الصَّائِمِ بَلْ لِأَجْلِ غَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ بِقَتْلِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ الشُّرْبُ (تُفْطِرُ وَتَقْضِي بِلَا فِدْيَةٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ هُوَ يُعْتَبَرُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي وَلَنَا أَنَّ الْفِدْيَةَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي وَالْإِفْطَارَ بِسَبَبِ الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلِلْوَلَدِ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِ أَصْلًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ فِيمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ آنِفًا نَوْعُ مُخَالَفَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا فِي الْهِدَايَةِ قَوْلٌ جَدِيدٌ لِلشَّافِعِيِّ تَأَمَّلْ.
(وَيَلْزَمُ صَوْمُ نَفْلِ شُرِعَ) أَيْ بِشُرُوعٍ غَيْرِ مَظْنُونٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَا يَلْزَمُهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فِيهِ إلَّا فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ) أَيْ الْمَنْهِيُّ الصَّوْمُ فِيهَا وَهِيَ يَوْمَا الْعِيدِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَإِنَّ صَوْمَهَا لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَبِالْإِفْسَادِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا أَفْسَدَهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي الْكَشْفِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ وَقَعَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقَطْ.
(وَلَا يُبَاحُ لَهُ) أَيْ لِلشَّارِعِ لِلنَّفْلِ (الْفِطْرُ بِلَا عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَجُوزُ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ يُبَاحُ.
وَفِي الْفَتْحِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُبْتَغِي وَهُوَ قَوْلُهُ يُبَاحُ الْفِطْرُ بِلَا عُذْرٍ أَوْجَهُ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ فَلْيُطَالَعْ.
(وَيُبَاحُ بِعُذْرِ الضِّيَافَةِ) ضَيْفًا أَوْ مُضِيفًا عَلَى الْأَظْهَرِ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا وَقِيلَ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ إلَّا إذَا كَانَ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ عُقُوقٌ لِأَحَدِ الْوَالِدَيْنِ لَا غَيْرَهُمَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيُفْطِرَنَّ لَا يُفْطِرُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ وَلَا يَحْنَثُ سَوَاءٌ كَانَ نَفْلًا أَوْ قَضَاءً كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ كَانَ الْإِفْطَارُ لِسُرُورِ مُسْلِمٍ فَمُبَاحٌ وَإِلَّا فَلَا وَالصَّحِيحُ إنْ تَأَذَّى الدَّاعِي بِتَرْكِ الْإِفْطَارِ يُفْطِرُ، وَإِلَّا فَلَا.
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْأَحْسَنُ أَنَّهُ إنْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ الْقَضَاءَ يُفْطِرُ وَإِلَّا فَلَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: إنِّي صَائِمٌ وَيَسْأَلُهُ أَنْ لَا يُفْطِرَ لَكِنْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُفْطِرَ وَلَا يَقُولَ إنِّي صَائِمٌ حَتَّى لَا يَعْلَمَ النَّاسُ سِرَّهُ (وَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ) لِغَيْرِ الْأَيَّامِ مَنْهِيَّةٍ (إنْ أَفْطَرَ) إسْقَاطًا لِمَا وَجَبَ عَلَى نَفْسِهِ.
(وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْفِطْرَ) فِي غَيْرِ رَمَضَانَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ نِيَّتُهُ الْإِفْطَارُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بَلْ إذَا قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا يَأْكُلُ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِنِيَّةٍ يُنْشِئُهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (ثُمَّ أَقَامَ وَنَوَى الصَّوْمَ فِي وَقْتِهَا) أَيْ وَقْتِ النِّيَّةِ (صَحَّ) الصَّوْمُ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ أَهْلٌ لَا يُنَافِي صِحَّةَ الشُّرُوعِ (وَيَلْزَمُ) أَيْ يَجِبُ (ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ) لِزَوَالِ الْمُرَخِّصِ وَقْتَ النِّيَّةِ؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الصَّوْمِ (كَمَا يَلْزَمُ) أَيْ يَجِبُ ذَلِكَ الصَّوْمُ (مُقِيمًا سَافَرَ فِي يَوْمٍ مِنْهُ) أَيْ رَمَضَانَ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ لَوْ أَنْشَأَ السَّفَرَ بَعْدَ الصُّبْحِ لَمْ يُفْطِرْ بِخِلَافِ لَوْ مَرِضَ بَعْدَهُ صَائِمًا فَإِنَّهُ يُفْطِرُ (لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ) الْمُسَافِرُ الَّذِي أَقَامَ وَالْمُقِيمُ الَّذِي سَافَرَ (فَلَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِمَا (فِيهِمَا) لِقِيَامِ شُبْهَةِ الْمُبِيحِ وَهُوَ السَّفَرُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ.
(وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَيَّامًا قَضَاهَا) وَلَوْ كَانَتْ كُلَّ الشَّهْرِ هَذَا بِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ شُرَيْحٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إنْ اسْتَوْعَبَ فَلَا يَقْضِي كَمَا فِي الْمَجْنُونِ (إلَّا يَوْمًا حَدَثَ) الْإِغْمَاءُ (فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْيَوْمِ (أَوْ) حَدَثَ (فِي لَيْلَتِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَقْضِيهِ لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ نَوَى فِي وَقْتِهَا حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَوْ أَكَلَ وَلَيْسَ هَذَا وَأَنْ لَا يَقْضِيَ جَمِيعَ أَيَّامِ رَمَضَانَ إذَا نَوَى فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَنْ يَصُومَ كُلَّهُ مَعَ أَنَّ الْمُصَرَّحَ خِلَافُهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مَنُوطٌ بِعَدَمِ الْأَكْلِ وَالنِّيَّةِ فِي أَوَّلِهِ يَجُوزُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يُنَافِيهِ وَالْإِغْمَاءُ يُنَافِيهِ.
(وَلَوْ جُنَّ) بِالضَّمِّ أَيْ صَارَ مَجْنُونًا (كُلَّ رَمَضَانَ) قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ اللَّيْلَةِ ثُمَّ جُنَّ وَأَصْبَحَ مَجْنُونًا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَضَى كُلَّ الشَّهْرِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَمَا فِي الدِّرَايَةِ لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ وَسَطِهِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَا يُصَامُ فِيهَا (لَا يَقْضِي) لِكَثْرَةِ الْحَرَجِ فِي قَضَائِهِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ كُلَّهُ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ حَتَّى لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ فِيهِ.
(وَإِنْ أَفَاقَ سَاعَةً مِنْهُ) فَلَوْ أَفَاقَ قَبْلَ الزَّوَالِ سَاعَةً وَلَوْ مِنْ آخِرِ رَمَضَانَ (قَضَى مَا مَضَى) لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِ الشَّهْرِ كُلِّهِ وَهُوَ شُهُودُ بَعْضِ الشَّهْرِ (سَوَاءٌ بَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ عَرَضَ لَهُ بَعْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ فَأَلْحَقَ الْأَصْلِيَّ بِالصَّبِيِّ وَخَصَّ الْقَضَاءَ بِالْعَارِضِي وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
(وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَوْ أَقَامَ مُسَافِرٌ) أَيْ جَاءَ مِنْ السَّفَرِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ فِي مَحَلِّهَا (أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ) أَوْ نُفَسَاءُ (فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ) يَعْنِي إذَا حَدَثَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ (لَزِمَهُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ) وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ لِحَقِّ الْوَقْتِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ صَارَ أَهْلًا لِلْأَدَاءِ فِي الْيَوْمِ يُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يُمْسِكُ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مُكْرَهًا أَوْ دَخَلَ يَوْمُ الشَّكِّ فَظَهَرَ رَمَضَانِيَّتُهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
(وَلَا يَلْزَمُ الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الصَّبِيُّ الَّذِي بَلَغَ وَالْكَافِرُ الَّذِي أَسْلَمَ (قَضَاؤُهُ) أَيْ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَوْ عِنْدَ الضَّحْوَةِ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِي أَوَّلِهِ (بِخِلَافِ الْآخَرَيْنِ) أَيْ الْمُسَافِرِ الَّذِي أَقَامَ وَالْحَائِضِ الَّتِي طَهُرَتْ لَا خِلَافَ فِي قَضَاءِ الْحَائِضِ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ كُنَّا نَقْضِي الصَّوْمَ لَا الصَّلَاةَ وَفِي الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسَافِرِ خِلَافٌ، وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّوْمِ إذَا أَطَاقَهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ حِينَئِذٍ.
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ أَنَّهُ يُضْرَبُ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ عَلَى الصَّوْمِ كَمَا عَلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَوْ لَمْ يَصُمْ لَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ.

.فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ:

أَخَّرَهُ عَمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ (نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَيْ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ صَحَّ)؛ لِأَنَّ النَّذْرَ الْتِزَامٌ فَلَا يَكُونُ مَعْصِيَةً وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَصِحُّ نَذْرُهُ.
(وَ) لَكِنَّهُ (أَفْطَرَ) احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ (وَقَضَى) إسْقَاطًا لِمَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ الْإِمَامِ وَرِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْإِمَامِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ.
(وَكَذَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ السَّنَةِ) يَعْنِي السَّنَةَ الْمُعَيَّنَةَ أَوْ غَيْرَ الْمُعَيَّنَةِ بِشَرْطِ التَّتَابُعِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ بِدُونِ التَّتَابُعِ لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَيَقْضِي خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ السَّنَةَ الْمُنَكَّرَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ اسْمٌ لِأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ قَدْرِ السَّنَةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّذْرِ الْأَيَّامُ الْمَنْهِيَّةُ وَلَا رَمَضَانُ بَلْ يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِهَا قَدْرُ السَّنَةِ (يُفْطِرُ هَذِهِ الْأَيَّامَ) الْمَنْهِيَّةَ (وَيَقْضِيهَا) وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَالَتْهُ قَضَتْ مَعَ هَذِهِ الْأَيَّامِ حَيْضَهَا.
وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ يَوْمًا اسْتَقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالْوَصْفِ.
وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَأَفْطَرَ يَوْمًا لَا يَسْتَقْبِلُ وَيَقْضِي حَتَّى لَا يَقَعَ كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْكَافِي.
وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ السَّبْتَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَبْتَيْنِ.
وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ السَّبْتَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ سَبْعَةُ أَسْبَاتٍ؛ لِأَنَّ السَّبْتَ فِي السَّبْعَةِ لَا يَتَكَرَّرُ بِخِلَافِ الثَّمَانِيَةِ وَكَذَا التِّسْعَةُ وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا وُجِدَتْ لَزِمَهُ مَا نَوَى.
وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْجُمُعَةَ إنْ أَرَادَ أَيَّامَ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَإِنْ أَرَادَ الْجُمُعَةَ لَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
(وَلَا عُهْدَةَ) عَلَيْهِ (لَوْ صَامَهَا) أَيْ لَا قَضَاءَ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ فَإِنَّ مَا وَجَبَ نَاقِصًا يَجُوزُ أَنْ يُتَأَدَّى نَاقِصًا.
وَفِي الْغَايَةِ وَيُكْرَهُ صَوْمُ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ وَكَذَا صَوْمُ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُعْجِزُهُ عَنْ أَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَإِلَّا فَصَوْمُهُمَا مُسْتَحَبٌّ وَصَوْمُ السَّبْتِ مُفْرَدًا مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ وَكَذَا صَوْمُ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ إذَا تَعَمَّدَهُ فَإِنْ وَافَقَ يَوْمَ صَوْمِهِ فَلَا بَأْسَ وَلَا بَأْسَ بِصَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا صَوْمُ الْوِصَالِ وَمَنْ صَامَ يَوْمًا وَأَفْطَرَ يَوْمًا فَحَسَنٌ قِيلَ: إنَّهُ صَوْمُ دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ وَصَوْمُ الصَّمْتِ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ (ثُمَّ إنْ نَوَى) بِقَوْلِهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَوْ السَّنَةِ (النَّذْرَ فَقَطْ أَوْ نَوَاهُ) أَيْ النَّذْرَ (وَنَوَى أَنْ يَكُونَ يَمِينًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَانَ نَذْرًا فَقَطْ)؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ وَقَدْ قَرَّرَهُ بِعَزِيمَتِهِ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَاللَّفْظُ مَوْضُوعٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ.
(وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ وَأَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا كَانَ يَمِينًا فَحَسْبُ)؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ وَقَدْ عَيَّنَهُ وَنَفَى غَيْرَهُ (فَيَجِبُ بِالْفِطْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لَا الْقَضَاءُ) لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ وَالْكَفَّارَةُ مُوجِبُهَا الْحِنْثُ فِي هَذَا الْمَقَامِ.
(وَإِنْ نَوَاهُمَا) أَيْ النَّذْرَ وَالْيَمِينَ (أَوْ نَوَى الْيَمِينَ فَقَطْ) بِلَا نَفْيِ النَّذْرِ (كَانَ نَذْرًا وَيَمِينًا) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (فَيَجِبُ الْقَضَاءُ) لِكَوْنِهِ نَذْرًا (وَالْكَفَّارَةُ) لِكَوْنِهِ يَمِينًا (إنْ أَفْطَرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَذْرٌ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِيمَا نَوَاهُمَا.
(وَيَمِينٌ فِي الثَّانِي) أَيْ فِيمَا إذَا نَوَى الْيَمِينَ فَقَطْ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ فِيهِ حَقِيقَةٌ وَالْيَمِينُ مَجَازٌ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ الْأَوَّلُ عَلَى النِّيَّةِ وَيَتَوَقَّفَ الثَّانِي فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا ثُمَّ الْمَجَازُ يَتَعَيَّنُ بِنِيَّةٍ وَعِنْدَ نِيَّتِهِمَا تَتَرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يَقْتَضِيَانِ الْوُجُوبَ إلَّا أَنَّ النَّذْرَ يَقْتَضِيهِ لِعَيْنِهِ وَالْيَمِينَ لِغَيْرِهِ فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ كَمَا جَمَعْنَا بَيْنَ جِهَتَيْ التَّبَرُّعِ وَالْمُعَاوَضَةِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْإِصْلَاحِ إنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ جَعَلَ الْيَمِينَ مَعْنًى مَجَازِيًّا وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ أَنَّ النَّذْرَ إيجَابٌ لِمُبَاحٍ فَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ ضِدِّهِ وَتَحْرِيمُ الْحَلَالِ يَمِينٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك} إلَى قَوْلِهِ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِرَادَةِ لَا يَجُوزُ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَثْبُتُ بِإِرَادَتِهِ بَلْ بِصِيغَتِهِ؛ لِأَنَّهَا إنْشَاءٌ لِلنَّذْرِ سَوَاءٌ أَرَادَ أَوْ لَمْ يُرِدْ مَا لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَذْرٍ أَمَّا إذَا نَوَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَذْرٍ يَصْدُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا مَدْخَلَ لِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ يَثْبُتُ بِإِرَادَتِهِ فَلَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِرَادَةِ وَهَذَا بَحْثٌ طَوِيلٌ فَلْيُطْلَبْ مِنْ الْأُصُولِ وَالْمُطَوَّلَاتِ.
(وَلَا يُكْرَهُ إتْبَاعُ الْفِطْرِ بِصَوْمِ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ) فِي الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْفَصْلُ بِيَوْمِ الْفِطْرِ فَلَا يَلْزَمُ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَسُنَّةٌ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَالِاتِّبَاعُ الْمَكْرُوهُ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَصُومَ بَعْدَهُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ (وَتَفْرِيقُهَا) أَيْ صَوْمِ السِّتَّةِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ (أَبْعَدُ عَنْ الْكَرَاهَةِ وَالتَّشَبُّهِ بِالنَّصَارَى) فِي زِيَادَةِ صِيَامِ أَيَّامٍ عَلَى صِيَامِهِمْ.

.بَابُ الِاعْتِكَافِ:

(هُوَ) لُغَةً اللُّبْثُ مِنْ الْعَكْفِ أَيْ الْحَبْسِ وَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ حَبْسُ النَّفْسِ وَمَنْعُهَا أَوْ مِنْ الْعُكُوفِ أَيْ الْإِقَامَةِ: وَجْهُ تَقْدِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الِاعْتِكَافِ كَوَجْهِ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ عَلَى الصَّلَاةِ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) مُطْلَقًا وَقِيلَ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لِمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُنْذُ قَدِمَ إلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى قُبِضَ وَقَضَائِهِ فِي شَوَّالٍ حِينَ تَرَكَ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَهْلُ بَلْدَةٍ بِأَسْرِهِمْ يَلْحَقُهُمْ الْإِسَاءُ وَإِلَّا فَلَا كَالتَّأْذِينِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: وَاجِبٌ وَهُوَ الْمَنْذُورُ وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهُوَ اعْتِكَافُ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلِهَذَا قَالَ.
(وَيَجِبُ بِالنَّذْرِ)؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ أَلْزَمَ نَفْسَهُ بِهَا (وَهُوَ) أَيْ الِاعْتِكَافُ شَرْعًا (اللُّبْثُ) أَيْ لُبْثُ الْمُعْتَكِفِ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا أَيْ قَرَارُهُ (فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ) صُلِّي فِيهِ الْخَمْسُ أَوْ لَا وَقِيلَ تَقُومُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ.
وَلَوْ مَرَّةً فِي يَوْمٍ وَقِيلَ يَصِحُّ فِي الْجَامِعِ بِلَا جَمَاعَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ فِيمَا أُذِّنَ وَأُقِيمَ.
وَفِي الْمُضْمَرَاتِ الْأَفْضَلُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ الْمَسَاجِدِ الَّتِي كَثُرَ أَهْلُهَا (مَعَ النِّيَّةِ) فَالرُّكْنُ اللُّبْثُ، وَالْكَوْنُ فِي الْمَسْجِدِ وَالنِّيَّةُ شَرْطَانِ لِلصِّحَّةِ.
وَإِذَا أَرَادَ إيجَابَ الِاعْتِكَافِ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ بِلِسَانِهِ وَلَا يَكْفِي لِإِيجَابِهِ النِّيَّةُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَجِبُ بِمُجَرَّدِ قَصْدِ الْقَلْبِ وَرَوَى عَنْهُ الْإِمَامُ أَنَّهُ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ لَكِنْ إذَا لَمْ يَنْوِ لَا يُعَدُّ اعْتِكَافًا.
(وَأَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ مُدَّةِ الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ (يَوْمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَكْثَرُهُ) أَيْ أَكْثَرُ الْيَوْمِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ)؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ عِنْدَهُ.
(وَ) أَقَلُّ مُدَّةِ اعْتِكَافِ النَّفْلِ (سَاعَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) فِي الْأَصْلِ وَلَيْسَ الصَّوْمُ شَرْطًا لِلنَّفْلِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ عِنْدَهُ فَلَوْ شَرَعَ فِي نَفْلِهِ ثُمَّ قَطَعَهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ عَلَى الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَمْ يَكُنْ قَطْعُهُ إبْطَالًا.
(وَالصَّوْمُ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ) رِوَايَةً وَاحِدَةً فَأَقَلُّهُ مُقَدَّرٌ بِالْيَوْمِ اتِّفَاقًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: الصَّوْمُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَالْمُرَادُ بِالصَّوْمِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلِاعْتِكَافِ مِنْ ابْتِدَائِهِ فَلَوْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي يَوْمٍ صَامَهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا.
(وَكَذَا فِي النَّفْلِ فِي رِوَايَةٍ) عَنْ الْإِمَامِ فَأَقَلُّهُ يَوْمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ.
(وَالْمَرْأَةُ تَعْتَكِفُ) بِإِذْنِ زَوْجِهَا (فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا)؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْضِعُ الْمُعَدُّ لِصَلَاتِهَا فَيَتَحَقَّقُ انْتِظَارُهَا فِيهِ وَلَا تَعْتَكِفُ فِي غَيْرِ مُصَلَّاهَا فِي بَيْتِهَا وَإِذَا اعْتَكَفَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ مَسْجِدِ بَيْتِهَا كَالرَّجُلِ إلَّا لِحَاجَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهَا مُصَلًّى لَا تَعْتَكِفُ قِيلَ وَلَوْ اعْتَكَفَتْ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ جَازَ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَمَسْجِدُ حَيِّهَا أَفْضَلُ لَهَا مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا.
(وَلَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ) مِنْ الْمَسْجِدِ (إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) كَالطَّهَارَةِ وَمُقَدِّمَاتِهَا وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يُفَسَّرَ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ تَدَبَّرْ وَلَا يَتَوَضَّأُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَرْصَتِهِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ لِلْوُضُوءِ وَلَا يَمْكُثَ بَعْدَ الْفَرَاغِ (أَوْ الْجُمُعَةِ)؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهَمِّ حَوَائِجِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ هُوَ يَقُولُ يُمْكِنُهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْجَامِعِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي الْخُرُوجِ وَلَنَا أَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مَشْرُوعٌ فَإِذَا صَحَّ الشُّرُوعُ فَالضَّرُورَةُ مُطْلَقَةٌ فِي الْخُرُوجِ (فِي وَقْتٍ يُدْرِكُهَا) أَيْ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُهَا إنْ كَانَ الْمُعْتَكِفُ بَعِيدًا وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا يَخْرُجُ وَقْتَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ بَعْدَهُ (مَعَ سُنَّتِهَا) وَهِيَ أَرْبَعٌ قَبْلَهَا.
وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ سِتٌّ: رَكْعَتَانِ تَحِيَّةٌ وَأَرْبَعٌ سُنَّةٌ.
وَلَوْ قَالَ فِي السُّنَنِ لَكَانَ أَشْمَلَ لِرِوَايَةِ الْحَسَنِ وَيَجُوزُ بَعْدَهَا فِي الْجَامِعِ أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَخْبَارِ فِي النَّافِلَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ لَا عَلَى خِلَافِ الْإِمَامَيْنِ إذْ لَا وَجْهَ لَهُ لِاعْتِبَارِهِ هَا هُنَا فَإِنَّهُ لَا مُضَايَقَةَ فِي الْخُرُوجِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (وَلَا يَلْبَثَ فِي الْجَامِعِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ لَبِثَ) أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ يَوْمًا (فَلَا فَسَادَ)؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَهُ غَيْرَ أَنَّهُ يُوجِبُ الْمُخَالَفَةَ لِالْتِزَامِهِ الْمُكْثَ فِي مُعْتَكَفِهِ فَكُرِهَ كَمَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ (فَإِنْ خَرَجَ) مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَوْ نَاسِيًا (سَاعَةً بِلَا عُذْرٍ فَسَدَ) اعْتِكَافُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِوُجُودِ الْمُنَافِي، وَلَوْ قَلِيلًا وَهُوَ الْقِيَاسُ أَمَّا لَوْ خَرَجَ بِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ كَانْهِدَامِ الْمَسْجِدِ أَوْ تَفَرُّقِ أَهْلِهِ بِحَيْثُ بَطَلَتْ الْجَمَاعَةُ مِنْهُ أَوْ لِإِخْرَاجِ ظَالِمٍ لَهُ كَرْهًا أَوْ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ مِنْ الْمُكَابِرِينَ فَدَخَلَ آخَرَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ اسْتِحْسَانًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَمَجْلِسِ الْعِلْمِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَإِنْجَاءِ الْغَرِيقِ وَالْحَرِيقِ وَالْجِهَادِ وَلَوْ كَانَ النَّفِيرُ عَامًّا وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ وَلَكِنْ لَا يَأْثَمُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ فَحُكِمَ بِعَدَمِ الْفَسَادِ فِيمَا إذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ وَعَلَى هَذَا الْجِنَازَةُ إذَا تَعَيَّنَتْ.
(وَعِنْدَهُمَا لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَكُنْ) الْخُرُوجُ (أَكْثَرَ الْيَوْمِ) وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ؛ لِأَنَّ فِي الْقَلِيلِ ضَرُورَةً وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْكَثِيرِ وَقَوْلُهُ أَقْيَسُ وَقَوْلُهُمَا أَيْسَرُ لِلْمُسْلِمِينَ هَذَا كُلُّهُ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ بِعُذْرٍ وَبِغَيْرِ عُذْرٍ.
(وَأَكْلُهُ) أَيْ الْمُعْتَكِفِ (وَشُرْبُهُ وَنَوْمُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ خَرَجَ لِأَجْلِهَا بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى الْخُرُوجِ حَيْثُ جَازَتْ فِيهِ.
(وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَبْتَاعَ) أَيْ يَشْتَرِيَ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ (بِلَا إحْضَارِ السِّلْعَةِ) فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إمَارَاتِ السُّوقِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا الظَّاهِرُ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ جَوَازُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُطْلَقًا لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ مَتْجَرًا فَيُكْرَهُ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الصَّحِيحُ هَذَا وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَقُومُ بِحَوَائِجِهِ دَلَالَةً عَلَى هَذَا، وَفِيهِ مَنْعُ الدَّلَالَةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَلَا يَجُوزُ) الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا كُرِهَ فِيهِ التَّعْلِيمُ وَالْكِتَابَةُ وَالْخِيَاطَةُ بِأَجْرٍ وَكُلُّ شَيْءٍ كُرِهَ فِيهِ كُرِهَ فِي سَطْحِهِ وَاسْتَثْنَى الْبَزَّازِيُّ مِنْ كَرَاهَةِ التَّعْلِيمِ بِأَجْرٍ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لِضَرُورَةٍ.
وَفِي الشُّمُنِّيِّ أَنَّ الْخَيَّاطَ يَحْفَظُ الْمَسْجِدَ فَلَا بَأْسَ بِخِيَاطَتِهِ فِيهِ (لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُعْتَكِفِ وَأَمَّا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فَلَا يُكْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ.
(وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُعْتَكِفِ (الْوَطْءُ) وَلَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (وَدَوَاعِيهِ) أَيْ وَكَذَا يَحْرُمُ دَوَاعِي الْوَطْءِ وَهُوَ اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّهَا مُؤَدِّيَةٌ إلَيْهِ.
(وَيَفْسُدُ) الِاعْتِكَافُ (بِوَطْئِهِ وَلَوْ نَاسِيًا) أَنْزَلَ أَوْ لَا خَصَّ الْوَطْءَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي النَّهَارِ نَاسِيًا لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ حَالَةَ الْمُعْتَكِفِ مُذَكِّرَةٌ كَحَالَةِ الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ فَلَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ بِخِلَافِ حَالِ الصَّوْمِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَبْطُلُ إذَا كَانَ نَاسِيًا وَكَذَا فِي الدَّوَاعِي بِلَا شَهْوَةٍ (أَوْ فِي اللَّيْلِ)؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ الِاعْتِكَافِ كَالنَّهَارِ.
(وَ) كَذَا يَفْسُدُ (بِاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ وَالْوَطْءِ فِي غَيْرِ فَرْجٍ أَيْضًا إنْ أَنْزَلَ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَعَ الْإِنْزَالِ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَإِنْ أَمْنَى بِالتَّفَكُّرِ أَوْ النَّظَرِ لَا يَفْسُدُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ (فَلَا) يَفْسُدُ لِعَدَمِ الْجِمَاعِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَإِنْ حَرُمَ.
(وَيُكْرَهُ لَهُ الصَّمْتُ) إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الصَّمْتَ قُرْبَةٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ.
(وَ) يُكْرَهُ (الْكَلَامُ إلَّا بِخَيْرٍ) أَيْ مِمَّا لَا إثْمَ فِيهِ فَإِنَّ حُرْمَةَ التَّكَلُّمِ الشَّرَّ فِي وَقْتِ الِاعْتِكَافِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ.
(وَمَنْ نَذَرَ) بِلَا نِيَّةِ اللَّيَالِيِ (اعْتِكَافَ أَيَّامٍ لَزِمَتْهُ) أَيْ لَزِمَتْ (بِلَيَالِيِهَا) لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الْجَمْعِ يَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيَالٍ لَزِمَهُ بِأَيَّامِهَا الْمُتَأَخِّرَةِ.
(وَإِنْ نَذَرَ) الِاعْتِكَافَ (يَوْمَيْنِ) بِلَا نِيَّةِ لَيْلَتَيْهِمَا (لَزِمَاهُ بِلَيْلَتَيْهِمَا) وَكَذَا الْعَكْسُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُثَنَّى كَالْجَمْعِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا)؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ إلَّا تَبَعًا لِضَرُورَةِ الِاتِّصَالِ إذْ الْأَصْلُ فِيهِ الِاتِّصَالُ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ لَمْ تُوجَدْ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى.
(وَإِنْ نَوَى النُّهُرَ) جَمْعُ نَهَارٍ يَعْنِي إنْ نَوَى فِي نَذْرِهِ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ (خَاصَّةٍ) أَيْ خُصَّتْ بِنِيَّةِ النَّهَارِ وَانْفَرَدَتْ مِنْ نِيَّةِ اللَّيْلِ خَاصَّةً وَانْفَرَدَا مِنْهَا وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ النِّيَّةِ (صَحَّتْ) نِيَّتُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِالْأَيَّامِ اللَّيَالِيَ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَلَزِمَهُ اللَّيَالِي وَالنُّهُرُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَنَوَى النَّهَارَ خَاصَّةً أَوْ نَوَى اللَّيْلَ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِعَدَدٍ مُقَدَّرٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِيِ فَلَا يُحْتَمَلُ مَا دُونَهُ (وَيَلْزَمُ التَّتَابُعُ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَلْتَزِمْهُ) بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ اللَّيَالِيَ قَابِلَةٌ لِلِاعْتِكَافِ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصَّوْمِ فَيَلْزَمُ الِاعْتِكَافُ عَلَى التَّتَابُعِ حَتَّى يَنُصَّ عَلَى التَّفْرِيقِ وَلَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ عَلَى التَّفْرِيقِ حَتَّى يَنُصَّ عَلَى التَّتَابُعِ.
(وَيَلْزَمُ) الِاعْتِكَافُ (بِالشُّرُوعِ) يَعْنِي إذَا شَرَعَ فِي الِاعْتِكَافِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ فَقَطَعَهُ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ عَلَى رِوَايَةٍ (إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ) فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّهُ سَاعَةٌ عِنْدَهُ.